كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



قوله: (إلا قضيت بيننا بكتاب الله) تنطلق هذه اللفظة على القرآن خاصة وقد ينطلق كتاب الله على حكم الله مطلقا والأولى: حمل هذه اللفظة على هذا لأنه ذكر فيه التغريب وليس ذلك منصوصا في كتاب الله إلا أن يؤخذ ذلك بواسطة أمر الله تعالى بطاعة الرسول وأتباعه.
وفي قوله: (وائذن لي) حسن الأدب في المخاطبة للأكابر.
وقوله: (كان عسيفا) أي أجيرا وقوله: (فافتديت منه) أي من الرجم وفيه دليل على شرعية التغريب مع الجلد والحنفية يخالفون فيه بناء على أن التغريب ليس مذكورا في القرآن وأن الزيادة على النص نسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز وغيرهم يخالفهم في تلك المقدمة وهي أن الزيادة على النص نسخ والمسألة مقررة في علم الأصول.
وفي قوله: (فسألت أهل العلم) دليل على الرجوع إلى العلماء عند اشتباه الأحكام والشك فيها ودليل على الفتوى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ودليل على استصحاب الحال والحكم بالأصل في استمرار الأحكام الثابتة وإن كان يمكن زوالها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالنسخ.
وقوله: (رد عليك) أي مردود أطلق المصدر على اسم المفعول وفيه دليل على أن ما أخذ بالمعارضة الفاسدة يجب رده ولا يملك وبه يتبين ضعف عذر من اعتذر من أصحاب الشافعي عن بعض العقود الفاسدة عنده: بأن المتعاوضين أذن كل واحد منهما للآخر في التصرف في ملكه وجعل ذلك سببا لجواز التصرف فإن ذلك الإذن ليس مطلقا وإنما هو مبني على المعارضة الفاسدة.
وفي الحديث دليل على أن مايستعمل من الالفاظ في محل الاستفتاء يسامح به في أقامة الحد أوالتعزير فإن هذا الرجل الذي قذف المرأة بالزنى ولم يتعرض النبي صلى الله عليه وسلم لأمر حده بالقذف وأعرض عن ذلك إبتداءا.
وفيه تصريح بحكم الرجم وفيه استنابة الإمام في إقامة الحدود ولعله يؤخذ منه: أن الإقرار مرة واحدة يكفي في إقامة الحد فإنه رتب رجمها على مجرد إعترافها ولم يقيده بعدد وقد يستدل به على عدم الجمع بين الجلد والرجم فإنه لم يعرفه أنيسا ولا أمره به.
3- عن عبيد الله بن عقبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؟ قال: «إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير».
قال ابن شهاب: ولا أدري: أبعد الثالثة أو الرابعة؟.
والضفير: الحبل.
يستدل به على إقامة الحد على المماليك كإقامته على الأحرار ودلالته على إقامة السيد الحد على عبده محتملة وليست بالقوية.
وفيه بيان لحكم الأمة إذا لم تحصن والكتاب العزيز تعرض لحكمها إذا أحصنت وجمهور العلماء: إنه إذا لم تحصن تجلد الحد ونقل عن ابن عباس في العبد والأمة أنه قال إذا لم يكونا مزوجين فلا حد عليهما وإن كانا مزوجين فعليها نصف الحد وهو خمسون قال بعضهم: وبه قال طاوس وأبو عبيد وهذا مذهب من تمسك بمفهوم الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] إلا أن مذهب الجمهور راجح لأن هذا الحديث نص في إيجاب الجلد على من لم يحصن فإذا تبين بحديث آخر: أنه الحد أو أخذ من السياق: فهو مقدم على المفهوم.
والضفير الحبل المضفور فعيل بمعنى فعول.
وذكر بعضهم: أن قوله: «فليبعها ولو بضفير» دليل على أن الزنا عيب في الرقيق يرد به ولذلك حط من القيمة قال: وفيه دليل على جواز بيع غير المحجوز عليه مالا بما لا يتغابن به الناس.
وفيما قاله في الأول نظر لجواز أن يكون المقصود أن يبيعها وإن انحطت قيمتها إلى الضفير فيكون ذلك إخبارا متعلقا بحال وجودي لا إخبارا عن حكم شرعي ولا شك أن من عرف بتكرر زنا الأمة انحطت قيمتها عنده.
وفيما قاله في الثاني نظر أيضا لجواز أن يكون هذا العيب أوجب نقصان قيمتها عند الناس فيكون بيعها بالنقصان بيعا بثمن المثل لا بيعا بما لا يتغابن الناس به.
وفي الحديث دليل على أن المأمور به: هو الحد المنوط بها دون ضرب التعزير والتأديب ونقل عن أبي ثور: أن هذا الحديث إيجاد الحد وإيجاب البيع أيضا وأن لا يمسكها إذا زنت أربعا.
وقد يقال أيضا: إن فيه إشارة إلى أن العقوبات إذا لم تفد مقصودها من الزجر لم تفعل فإن كانت واجبة كالحد فلترك الشرط في وجوبها على السيد وهو الملك لأن أحد الأمرين لازم: إما ترك الحد ولا سبيل إليه لوجوبه وإما إزالة شرط الوجوب وهو الملك فتعين ولم يقل: اتركوها أو حدوها كلما تكرر لأجل ما ذكرناه والله أعلم.
فيخرج عن هذا التعزيرات التي لا تفيد لأنها ليست بواجبة الفعل فيمكن تركها.
4- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى رجل من المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد- فناداه: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه فتنحى تلقاء وجهه.
فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات: دعاه رسول الله فقال: «أبك جنون؟» قال: لا قال: «فهل أحصنت؟» قال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به فارجموه».
قال ابن شهاب: فأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمع جابر بن عبد الله يقول: (كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه).
الرجل هو ماعز بن مالك روى قصته جابر بن سمرة وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وبريد بن الحصيب الأسلمي.
ذهب الحنفية إلى أن تكرار الإقرار بالزنا أربعا: شرط لوجوب إقامة الحد ورأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث- إنما أخر الحد إلى تمام الأربع لأنه لم يجب قبل ذلك وقالوا: لو وجب بالإقرار مرة: لما أخر الرسول صلى الله عليه وسلم الواجب وفي قول الراوي فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله الخ إشعار بأن الشهادة أربعا هي العلة في الحكم.
ومذهب الشافعي ومالك ومن تبعهما: أن الإقرار مرة واحدة موجب للحد قياسا على سائر الحقوق فكأنهم لم يروا أن تأخير الحد إلى تمام الإقرار أربعا لما ذكره الحنفية وكأنه من باب الاستثبات والتحقيق لوجود السبب لأن مبنى الحد على الاحتياط في تركه ودرئه بالشبهات.
وفي الحديث: دليل على سؤال الحاكم في الواقعة عما يحتاج إليه في الحكم وذلك من الواجبات كسؤاله عليه السلام عن الجنون ليتبين العقل وعن الإحصان ليثبت الرجم ولم يكن بد من ذلك فإن الحد متردد بين الجلد والرجم: ولا يمكن الإقدام على أحدهما إلا بعد تبين سببه.
وقوله عليه السلام: «أبك جنون؟» ويمكن أن يسأل عنه فيقال: إن إقرار المجنون غير معتبر فلو كان مجنونا لم يفد قوله: إنه ليس به جنون فما وجه الحكمة في سؤاله عن ذلك؟ بل سؤال غيره ممن يعرفه هو المؤثر.
وجوابه: أنه قد ورد أنه سأله غيره عن ذلك وعلى تقدير أن لا يكون وقع سؤال غيره فيمكن أن يكون سؤاله ليتبين بمخاطبته ومراجعته تثبته وعقله فيبني الأمر عليه لا على مجرد إقراره بعدم الجنون.
وفي الحديث: دليل على تفويض الإمام الرجم إلى غيره ولفظه يشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحضره فيؤخذ منه: عدم حضور الإمام الرجم وإن كان الفقهاء قد استحيوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار ويبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة وكأن الإمام لما كان عليه التثبت والاحتياط قيل له: ابدأ ليكون ذلك زاجرا عن التساهل في الحكم بالحدود وداعيا إلى غاية التثبت وأما في الشهود: فظاهر لأن قتله بقولهم.
وقوله: (فلما أذلفته الحجارة) أي بلغت منه الجهد وقيل: عضته وأوجعنه وأوهنته وقوله هرب فيه دليل على عدم الحفر له.
5- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له: أن امرأة منهم ورجلا زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟» فقالوا: نفضحهم ويجلدون, قال عبد الله بن سلام: كذبتم فيها آية الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ماقبلها وما بعدها فقال به عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرع يده فإذا فيها آية الرجم فقال: صدق يا محمد فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما قال: فرأيت الرجل: يجنأ على المرأة يقيها الحجارة.
قال رضي الله عنه: الذي وضع يده على آية الرجم: هو عبد الله بن صوريا.
اختلف الفقهاء في أن الإسلام: هل هو شرط الإحصان أم لا؟ فذهب الشافعي أنه ليس بشرط فإذا حكم الحاكم على الذمي المحصن رجمه ومذهب أبو حنيفة: أن الإسلام شرط في الإحصان واستدل الشافعية بهذا الحديث ورجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهوديين واعتذر الحنفية عنه بأن قالوا: رجمهما بحكم التوراة وأنه سألهم عن ذلك وأن ذلك عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وادعوا أن آية حد الزنا نزلت بعد ذلك فكان ذلك الحديث منسوخا وهذا يحتاج إلى تحقيق التاريخ أعني ادعاء النسخ.
وقوله: (فرأيت الرجل يجنأ عن المرأة), في الرواية: يجنأ بفتح الياء وسكون الجيم وفتح النون والهمزة: أي يميل ومنه الجنى قال الشاعر:
وبدلتني بالشطاط الجنى ** وكنت كالصعدة تحت السنان

وفي كلام بعضهم ما يشعر بأن اللفظة بالحاء يقال: حنا الرجل يحنو إذا أكب على الشيء قال الشاعر:
حنو العابدات على وسادي

6- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رجلا- أو قال: امرءا- اطلع عليك بغير إذنك فحذفته بحصاة ففقأت عينه: ما كان عليك جناح».
أخذ الشافعي وغيره بظاهر الحديث وأباه المالكية وقالوا: لا يقصد عينه ولا غيرها وقيل: يجب القود إن فعل وهذا مخالف للحديث.
ومما قيل في تعليل المنع: أن المعصية لا تدفع بالمعصية وهذا ضعيف جدا لأنه يمنع كونه معصية في هذه الحالة ويلحق ذلك بدفع الصائل وإن أريد بكونها معصية: النظر إلى ذاتها مع قطع النظر عن هذا السبب فهو صحيح لكنه لا يفيد.
وتصرف الفقهاء في هذا الحكم بأنواع من التصرفات.
منها: أن يفرق بين أن يكون هذا الناظر واقفا في الشارع أو في خالص ملك المنظور إليه أو في سكة منسدة الأسفل اختلفوا فيه والأشهر: أن لا فرق ولا يجوز مد العين إلى حرم الناس بحال وفي وجه الشافعية: أنه لا يقصد إلا عين من وقف في ملك المنظور إليه.
ومنها: أنه هل يجوز رمي الناظر قبل النهي والإنذار؟ فيه وجهان للشافعية.
أحدهما: لا على قياس الدفع في البداءة بالأهون فالأهون.
والثاني: نعم وإطلاق الحديث مشعر بهذين الأمرين معا أعني أنه لا فرق بين موقف هذا الناظر وأنه لا يحتاج إلى الإنذار وورد في هذا الحكم الثاني ما هو أقوى من هذا الإطلاق وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختل الناظر بالمدري).
ومنها: أنه لو تسمع إنسان فهل يلحق السمع بالنظر؟ اختلفوا فيه.
وفي الحديث إشعار: إنه إنما يقصد العين بشيء خفيف كمدي وبندق وحصاة لقوله: «فحذفته» قال الفقهاء: أما إذا زرق بالنشاب أو رماه بحجر يقتله فقتله فهذا قتل يتعلق بالقصاص أو الدية.
ومما تصرف فيه الفقهاء: في أن هذا الناظر إذا كان له محرم في الدار أو زوجة أو متاع لم يجز قصد قينه لأن له في النظر شبهة وقيل: لا يكفي أن يكون له في الدار محرم إنما يمنع قصد عينه إذا لم يكن فيها إلا محارمه.
ومنها: أنه إذا لم يكن في الدار إلا صاحبها فله الرمي إن كان مكشوف العورة ولا ضمان وإلا فوجهان أظهرهما: أنه لا يجوز رميه.
ومنها: أن الحرم إذا كان في الدار مستترات أو في بيت ففي وجه: لا يجوز قصد عينه لأنه لا يطلع على شيء قال بعض الفقهاء: الأظهر الجواز لإطلاق الأخبار ولأنه لا تنضبط أوقات الستر والتكشف فالاحتياط حسم الباب.
ومنها: أن ذلك إنما يكون إذا لم يقصر صاحب الدار فإن كان بابه مفتوحا أو ثم كوة واسعة أو ثلمة مفتوحة فنظر: فإن كان مجتازا لم يجز قصده.
وإن توقف وتعمد فقيل: لا يجوز قصده لتفريط صاحب الدار بفتح الباب وتوسيع الكوة وقيل: يجوز لتعديه بالنظر.
وأجري هذا الخلاف فيما إذا نظر من سطح نفسه أو نظر المؤذن من المأذنة لكن الأظهر عندهم ههنا: جواز الرمي لأنه لا تقصير من صاحب الدار.
واعلم أن ما كان من هذه التصرفات الفقهية داخلا تحت إطلاق الأخبار فإنه قد يؤخذ منها وما لا فبعضه مأخوذ من فهم المعنى المقصود بالحديث وبعضه مأخوذ بالقياس وهو قليل فيما ذكرناه.